يقول ميرتكس، وهو أول مصاص دماء يعلن عن نفسه: «مصاصو الدماء في الغالب مثقفون ويعملون بوظائف مرموقة ولهم مكانة في المجتمع، لكنهم لا يحبون أن يكشفوا عن هويتهم كمصاصي دماء».
ميرتيكس في حواره مع جريدة الجارديان يصنف مصاصي الدماء لثلاثة أنواع: نوع يتغذى بالفعل على الدماء، وهي عملية وصفها ميرتيكس بأنها «طبية ودقيقة»، وتخالف تمامًا الصورة التي نراها في وسائل الإعلام عن الأمر، فلا يوجد عض كما يحدث بالأفلام، بل يُحدث مصاص الدماء فتحات جراحية دقيقة بجسد الشخص ليحصل على غذائه من الدماء، كما أن الضحية توقع أوراقًا رسمية بموافقتها على استخدامها كوعاء لمصاص الدماء.
النوع الثاني وصفه ميرتكس بأنه «يمتص رغبة الحياة أو طاقتها» من ضحيته، فالعملية هنا ليست مادية بل هي مزيج من عملية روحانية ونفسية؛ وروحانية هنا لا تعني إيمانية بل تعني أن لها علاقة بروح الإنسان. النوع الثالث يشبه النوع الثاني لكنه يقوم بسلب الطاقة أو إرادة الحياة من ضحيته من خلال الممارسة الجنسية.
ميرتيكس هو عضو فيما يسمى «اتحاد مصاصي دماء أطلانطا»، المنظمة أو التجمع الذي يخفي كل من فيه هويته ولا تُعرف بدقة كيفية الانتماء إليه، لكن ميرتكس يؤكد أن كونك مصاص دماء هو شيء تولد به، ولا يُكتسب، وهناك طرق لمعرفة ذلك، عكس الثقافة الشعبية السائدة.
مصاصو الدماء والقصص حول ما يسمى بـ«الكائنات الشريرة» عمومًا، هي ثقافة سادت في العقد الأخير، خصوصًا بالولايات المتحدة الأمريكية. هناك الكثير من المواقع التي يعبر فيها المراهقون عن رغبتهم في أن يكونوا مصاصي دماء، أو أن يقترنوا بأحدهم. هل هناك مصاصو دماء يحيون بيننا؟ الأمر مثير للجدل ويميل الكثيرون لعدم تصديقه، إلا أن المهم واللافت للانتباه هو تغير صورتهم في الثقافة الشعبية خلال القرنين الماضيين.
أن تكون مصاص دماء لا يعني بالضرورة أن تكون شريرًا!
الكائنات الشريرة موجودة في كل الثقافات تقريبًا منذ قديم الزمان، وهي جزء من أساطير التراثات الشعبية المختلفة، كما أن هناك تشابهات من ثقافة لأخرى، ربما نتجت من تزاوج الثقافات في عصور الإمبراطوريات، أو ربما لأن هناك أصلًا لأساطير هذه الثقافات يدركه الوجدان الجمعي للبشر. التغير الذي حدث في القرنين الماضيين هو تغير صورة مصاصي الدماء خصوصًا، والكائنات الشريرة عمومًا، ففي الأدب القوطي أو روايات الرعب القوطي التي ظهرت في القرن الثامن عشر، كانت الكائنات الشريرة مثل مصاصي الدماء والساحرات يمثلون الشر المطلق، الخارج عن الكنيسة ويمثلون الدنس، وضحيتهم غالبًا هي العذراء البريئة التي تستدرج من خلال الضعف الإنساني. الصورة التي تقدمها هوليوود الآن مختلفة تمامًا، لم يعد مصاصو الدماء والكائنات غير البشرية يمثلون الشر بشكل مطلق على الشاشات، بل فيهم خير وشر مثل البشر والخيرون منهم كثيرًا ما يتحدون مع البشر لمواجهة الكائنات غير البشرية، التي اختارت مسار الشر وتحمل ضغينة ضد جنس البشر عمومًا.
فيلم «مقابلة مع مصاص دماء» قدم نموذجًا لمصاص الدماء الغارق في الندم على ما ارتكبه من آثام، والتائب من دماء البشر الذي انتقل إلى دماء الحيوانات، في محاولة للتغلب على طبيعته. هذه الصورة أيضًا تكررت في مسلسل ناجح جدًا، وهو «يوميات مصاص دماء» والذي يقدم صورة أخين، في غاية الوسامة، أحدهما يلعب دور العاطفي الذي لا يتغذى على البشر، ويحب فتاة واحدة فقط، هي بطلة المسلسل، والثاني يمثل دور الماجن الذي لا يكتفي من العلاقات والعربدة ويتغذى على البشر.
مع تطور المسلسل يبدأ بالكشف عن جانب آخر في شخصية كل منهما، فالشخص الماجن، يحمل في داخله مشاعر طيبة كثيرة ولكنه لا يحب الكشف عنها إلا مضطرَا، والأخ الطيب فيه جانب شرير تخلى عنه قديمًا ولهذا يفرط في السيطرة على نفسه خوفًا من العودة إلى شره.
في النهاية يقع الاثنان في حب نفس الفتاة ويتصارعان عليها. الحبكة المقدمة هنا، حبكة عادية ومكررة، وكذلك شخصية الرجل الوسيم الصلب الذي يخفي مشاعره، أو الطيب الذي يسيطر على جانبه الشرير، هي شخصيات مكررة أيضًا، إلا أن تقديمها في مسلسل مصاصي الدماء، على نحو يشغلك عن الاهتمام بكونهم مصاصي دماء، بمعنى أن العلاقات الإنسانية العادية التي تقدم داخل المسلسل تصبح هي الأساس، ومص الدماء والقتل يصبح نشاطًا مسليًا هامشيًا وليس مخيفًا، بل وربما تفقد التعاطف تمامًا مع الضحايا ممن يتم قتلهم، بعد تعلقك بشخصيات المسلسل، يجعل التجربة فريدة للغاية.
تغير آخر هو عدم وضع الاعتبار للجنس من ذكر وأنثى، فصورة مصاص الدماء، كونت دراكيولا، وفي مقابلها العذارى البريئات انتهت تمامًا. مصاص الدماء قد يكون ذكرًا أو أنثى، وكلاهما قد يكون في جانب الخير أو الشر بلا تمييز. أيضًا أكثر من مرة يقدم التحول لمصاص دماء، كحل لإنقاذ حياة شخص محبوب، وربما يصير حاله أفضل بعد التحول. أن تكون مصاص دماًء صار يعني أن تكون قويًا ومثيرًا في كثير من الأحيان على الشاشة، وتملك الحكمة التي يمنحها لك العمر الطويل، ولست بالضرورة شريرًا.
العروض التي تقدم حول مصاصي الدماء والكائنات الشريرة والعلاقات بينها كثيرة، من أهمها على سبيل المثال سلسلة «بافي قاتلة مصاصي الدماء» و«إنجل»، في نهاية التسعينيات وبدايات الألفية الثانية، والتي عاد كتابهما ليقدموا مؤخرًا مسلسلًا آخر هو «الجريم». في هذه المسلسلات هناك في خلفية قصص الحب والتشويق والإثارة، حبكة أخرى عن علاقات أكثر تعقيدًا تسير على التوازي. هذه الحبكة تجد فيها دائمًا جانبا الشر والخير على مستوى كوني، يديران الصراع خفية ويحركان الكائنات الشريرة، ويحركان أيضًا من يتصدون لها لإنقاذ البشرية.
هل تحيا الكائنات الأسطورية المسماة بـ«الشريرة» بيننا؟
في الأعمال التي تظهر على الشاشة عن الأمر، تكون العلوم التي يستخدمها جانبي الخير والشر مرتبطة غالبًا بالنبي سليمان، وغالبًا ما يكون لها مصدر واحد، أي أن هناك دائما علوم وطاقات ما، يمكن استخدامها للخير والشر، وكثيرًا ما يكون جزءًا أساسيًا من الصراع هو إيجاد مفاتيح لأكثر هذه العلوم قدسية وقوة، والتي يفترض أنها تمنح من يتحصل عليها القدرة على الانتصار.
تكررت أيضًا فكرة النسل المقدس أو العلاقة مع الأجداد، سواء في جانب الخير أو الشر، فغالبًا ما يكون الأقوياء أو المميزين من طرفي الخير أو الشر، ينحدرون من نسل طويل من العائلات المنخرطة في هذا الصراع، وعندهم قدرات مكنونة موروثة، يكتشفونها بالتدريج على مدار الصراع المستمر. حبكة تشبه كثيرًا فكرة الصراع الكوني بين أتباع المهدي المنتظر والمسيخ الدجال عند المسلمين، والموجودة أيضًا في ثقافات وديانات أخرى كثيرة.
التشابه بين الواقع والخيال يبدو مريبًا أحيانًا. الأمر لا يتوقف على مصاص الدماء الذي اعترف بممارسته لشرب الدماء ضمن مجموعات منظمة تمارس النشاط، بل إن فكرة المنظمات التي تعمل مع المسيخ الدجال أو الشيطان والصراع الكوني والعلوم السرية حولها إشاعات كثيرة.
ففي سويسرا، في افتتاح نفق جديد، وبحضور ممثلون عن الاتحاد الأوروبي كله، أقيم احتفال طويل مليء بالطقوس والرموز الشيطانية، مثل تمثيل أشكال مصاصي الدماء والموتى الأحياء، وتمثيل لما يشبه حفلات المجون والجنس الجماعي، واستخدام رمز الصليب المقلوب الشهير، والذي يفترض أنه رمز المسيخ الدجال.
سويسرا أيضًا بها منظمة سيرن الشهيرة الغامضة والتي يدور حولها جدل كثير. هناك مقالات تحكي عن أن رمز المنظمة هو رمز الشيطان، وأن ما هو مرسوم على شعارها هي صورة الإلهة شيفا، التي يفترض أنها تمثل الشر في الهندوسية.
هناك أيضًا قناة على اليوتيوب تصدر مقاطع صوتية لأشخاص يدعون أنهم علماء بمنظمة سيرن، بعنوان «لقد فعلنا ما لم يكن ينبغي أن نفعله». الفيديو يتحدث حول فتح باب يصل مع بعد آخر لجلب كائنات شريرة، تمهيدًا لوصول المسيخ الدجال.
الصراع بين الخير والشر موجود في كل الديانات، وكذلك الكائنات التي توصف بالشريرة، والاتصال بينها وبين البشر، والقدرة على التعامل معها، والعلاقات بين الكائنات وبعضها هي الأمور المثيرة للجدل في الأمر. كذلك فكرة تزاوجهم مع البشر والتي يفترض أنها تنتج نسلًا يشبه المسوخ، له طبيعة مزدوجة. وقد ظهرت بعض الوقائع في الفترة الأخيرة التي ربما تعيد فتح باب النقاش والبحث أكثر، إذا فُتح معها أبواب احتمالية تصديق الأمر المثير برمته.
إرسال تعليق