أفرد تقرير على موقع Vox الأمريكي مقالاً للحديث عن المنافسة الشرسة القائمة بين عمالقة التكنولوجيا الثلاثة: أمازون وجوجل وأبل. وقد أشار التقرير إلى أن جيف بيزوس، المدير التنفيذي لأمازون، استطاع أن يدفع بعملاق التسوق عبر الإنترنت إلى التفوق على كل من جوجل وأبل في مجال تقديم ابتكارات جديدة تهم المستخدمين.
يقول التقرير إن أمازون قد دخلت المنافسة في سوق المساعد الصوتي بمنتجها The Echo، لتتحدى به Apple Siri وGoogle Now، وتقول الشركة إن مبيعاتها من المساعد الصوتي في فترة عيد الميلاد الحالية بلغت تسعة أضعاف مبيعاتها في أول العام.
وبهذا، يقول التقرير، تواصل أمازون هيمنتها على مزيد من القطاعات التكنولوجية، بعد أن تربعت على عرش سوق الكتب الإلكترونية بجهازها اللوحي Kindle. كما يُتوقع أن تجني خدمة Amazon Web Services لخدمات التخزين السحابي قرابة 12 مليار دولار هذا العام.
ومنذ أسابيع قليلة، كشفت الشركة عن متاجر Amazon Go، التي تمثل ثورة في عالم التسوق، حيث لا يحتاج المرء إلى الوقوف في صفوف لدفع حساب مشترياته، وإنما سيختار احتياجاته من متجر أمازون، الذي تعتزم الشركة إطلاقه العام المقبل، وستقوم الشركة بخصم الثمن من رصيده لديها.
يقول التقرير إن أمازون قد أثبتت قدرتها على النجاح في عدة مجالات تكنولوجية، على عكس جوجل أو أبل. فالأولى تفردت في مجال خدمات الإنترنت، والثانية قدمت لها عتادًا ذا جودة استثنائية.
ويرى التقرير أن سبب نجاح أمازون هو مزجها بين ثقافة ريادة الأعمال في الشركات الصغيرة مع موارد مالية ضخمة.
معظم شركات التكنولوجيا تعاني في المجالات التي لم تتأسس من أجلها
منذ بداية الألفية الجديدة، استحوذت جوجل على العديد من المنتجات التي ذاع صيتها، فقدمت لنا خدمات البريد والخرائط ومحرر المستندات. ثم استحوذت جوجل على موقع يوتيوب ونظام تشغيل الهواتف المحمولة أندرويد، ومتصفح كروم. والملاحظ أن جميعها منتجات تدعم غرض الشركة الرئيسي، وهو تقديم خدمات الإنترنت.
في العقد الثاني من الألفية الجديدة، يقول التقرير، دخلت الشركة مجال المشروعات الضخمة بأفكار طموحة تبتعد عن نشاطها التقليدي. ومن أجل ذلك، جرت إعادة هيكلة الشركة لتصبح تحت مظلة مؤسسة تسمى Alphabet، لتكون بمنزلة مظلة لتدشين مشاريع عملاقة.
حاولت جوجل منافسة شركة تسلا، شركة إنتاج سيارات ذاتية القيادة، فقدمت عدة نماذج ملفتة للنظر، لكنها لم تطرحها بعد للمستهلكين، مما دفع كبير المهندسين في المشروع إلى الانفصال عن جوجل، وتأسيس شركة Otto، وهي شركة شاحنات ذاتية القيادة استحوذت عليها شركة أوبر لخدمات التوصيل، وذلك بسبب بطء خطى جوجل في المضي في هذا المجال. وقد استقال مؤخرًا مدير مشروع السيارة ذاتية القيادة وأسس شركة خاصة به.
كما استحوذت جوجل على عدة شركات صغيرة لإنتاج الروبوتات، لكنها لم تقدم أي منتج في هذا المجال بعد.
يرى التقرير أن إحدى مشكلات جوجل هي التركيز على حل المشكلات التقنية الصعبة. فعندما أطلقت الشركة نظارات جوجل، ركزت بالأساس على إنشاء منصة حوسبة جديدة، وهو تحدٍ تقني صعب. لكنها فشلت في تحويله إلى منتج قابل للاستخدام.
أمازون تركز على تلبية احتياجات المستخدمين
قبل تأسيسه شركة أمازون، اكتسب جيف بيزوس خبرة في كيفية تطوير منتجات تجذب المستهلكين، وذلك عندما قضى سنوات في العمل لدى العديد من شركات وول ستريت.
والشائع عن بيزوس أنه يستقبل الأفكار من كافة العاملين لديه. فعندما يطرح أحد المهندسين في أمازون فكرة، يُطلب منه رفعها إلى اللجنة التنفيذية في الشركة، ليتخذ بيزوس قرارًا بشأنها على الفور. وبعد ذلك، يجري تكوين فريق صغير لإجراء تجارب لبحث مدى قابلية الفكرة للتنفيذ، دون إهدار الكثير من موارد الشركة.
وعندما ينجح الفريق في التحديات الصغيرة، يقول التقرير، يجري منحه المزيد من الموارد المالية وتحديات أكبر للتعامل معها.
إن أكثر ما يهم أمازون هو إطلاق نسخة مبكرة من المنتج توفر الحد الأدنى من القابلية للاستخدام. وهذا يتيح لها قياس رد فعل المستهلكين سريعًا، ويجعلها تدرك ما إذا كان المنتج صالحًا للاستخدام في الواقع مثلما كان على الورق.
لكن طريق أمازون لم يكن ورديًا على الدوام، يشير التقرير، فقد كان دخول الشركة عالم الهواتف الذكية كارثيًا. لكن أسلوب طرح المنتج بأسرع ما يمكن واستقراء رد فعل المستهلك يجنب الشركة إهدار مواردها على منتجات لا تهم المستهلك.
وهذا ما ستفعله الشركة مع متجر Amazon Go الجديد. حيث تعتزم الشركة فتح متجر واحد، وإذا ما حقق نجاحًا مميزًا، تخطط الشركة لافتتاح 2000 متجر آخر، حسبما ذكرت تقارير إعلامية.
لماذا لا تقود المصادر الضخمة إلى اختراعات مميزة؟
يبدو هذا النهج مثاليًا تمامًا لأول وهلة، فهو يحد من البيروقراطية ولا يهدر موارد الشركة. لكن المفاجئ في الأمر هو أنه يصعب على الشركات الراغبة في دخول أسواق جديدة القيام بهذا.
عندما تنجح شركة عملاقة في مجال ما، فإنها تضع أسسًا وعمليات للتطوير تسعى إلى استخدامها في أي سوق جديدة تعتزم المنافسة فيها. يضرب الكاتب مثالاً على ذلك بالقول إنه أثناء عمله في جوجل، قضى وقتًا طويلاً في تعلم حزمة أدوات التطوير التي تستخدمها الشركة في مختلف مشاريعها. ولعل هذا النهج قد نجح في مجال خدمات الإنترنت، لكنه لم يثبت أي نجاح في أي منتجات أخرى.
والحال نفسه ينطبق على أبل، يقول الكاتب. يأتي المصممون في المرتبة الأولى من حيث الأهمية قبل المهندسين ومديري المشاريع، وهو ما انعكس على روعة التصميم الخارجي وضعف المكونات. ولهذا نجد أن منتجي آيفون وساعة أبل يجذبان الكثيرين، لأنها أدوات صديقة للمستخدم. إلا أن أبل عانت بشدة حتى تلقى خدمة التخزين السحابي خاصتها iCloud الرواج بين المستخدمين.
سبب آخر لتفوق أمازون هو أن مديرها التنفيذي، جيف بيزوس، شغوف للغاية باستقلالية الفرق عن بعضها البعض في العمل، وهذا قد جعل من عملية الانتقال من مشروع لآخر صعبة في أمازون، لأن لكل فريق مسؤول عن مشروع معين ثقافة العمل الخاصة به. وقد أعرب صراحة عن عدم رضاه عن معايير العمل المطبقة في شركات مثل أبل وجوجل.
لكن التقرير يقول إن ثقافة العمل الاستقلالية التي أرساها بيزوس تغذي الابتكار، لأن لكل فريق الحق في اختيار أدوات التطوير التي يراها تناسب المشروع بأفضل شكل، بدلاً من الالتزام بمعايير محددة تضعها الشركة.
مستقبل الابتكارات في أمازون واعد
يقول التقرير «تعتبر الخيارات التنظيمية لأمازون شديدة الأهمية لأنه يمكن للشركات الكبرى اقتباس بعض خصائص الشركات الناشئة».
إن مشروعًا طموحًا مثل متجر Amazon Go يصعب على شركة ناشئة أن تنجزه. إذ أن التكنولوجيا التي يحتاج إليها تشمل كاميرات وأجهزة استشعار أخرى تتبع الزبون طوال تجوله في المتجر وتلتقط على الفور عندما يختار شيئًا من على الرف. ومثل هذا المشروع يحتاج إلى موارد مالية ضخمة وتكنولوجيا فائقة التقدم. وحتى شركة في حجم أمازون، ستحتاج إلى سنوات طويلة ومبالغ طائلة لتثبيت أركان هذا الابتكار.
مع ظهور الإنترنت، كانت الشبكة العنكبوتية هي قمة هرم التكنولوجيا. ولم يكن الأمر يحتاج سوى إلى بضع عشرات من الموظفين لتقديم خدمات الإنترنت، وكانت كل الشركات تسعى إلى زيادة عدد مستخدميها من بضع مئات إلى الملايين. ولهذا السبب تحولت شركات مثل جوجل وفيسبوك من لا شيء إلى شركات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
لكن المستقبل بات مفتوح الذراعين للصناعات التقليدية، يشير التقرير. فالسيارات ذاتية القيادة والمتاجر الذكية والعلاجات الطبية المتقدمة سيكون لها النصيب الأوفر من التركيز.
باتت السيارات ذاتية القيادة منتجًا يجذب انتباه الكثيرين، إذ تتنافس شركات السيارات التقليدية، فضلاً عن شركات مثل جوجل وأوبر وتسلا، على هذه السوق الواعدة. لكن الأمر يحتاج إلى دمج البرمجيات بالعتاد والخرائط المعقدة، وهي تجميعة لا يمكن للشركات الناشئة توفيرها.
ورغم أن لها سمعة سيئة بسبب استخداماتها العسكرية، إلا أن الطائرات بدون طيار أصبحت محط اهتمام شركات مثل جوجل وأمازون. وقد أجرت أمازون بنجاح أول عملية شحن منتج بطائرة بدون طيار في بريطانيا.
وحتى تتغلب الشركات الكبرى على مشكلة إيجاد ابتكارات، يمكنها اللجوء إلى الاستحواذ على الشركات الناشئة في بداياتها. لكن الشركات العملاقة قد تُضطر إلى دفع مبالغ طائلة في حالة الاستحواذ على شركة ناشئة سريعة النمو. ولم تثبت الفكرة نجاحها على الدوام، فقد استحوذت جوجل على شركة Nest مقابل 2 مليار دولار، لكن الشركة عانت تحت مظلة شركة ألفابت.
يختتم المقال بالقول إن نظام الابتكارات الداخلي في أمازون لا يتسم بالمخاطرة أو ارتفاع التكلفة، وهذا ما يجعل شركة أمازون رائدة في مجال رعاية مشروعات ريادة الأعمال. وسيشهد العالم صعود المزيد من هذه المشاريع الرائدة في المستقبل.
إرسال تعليق